العمل الطيب
استيقظ شريف في صباح يوم إجازته ، وأسرع بارتداء ملابس الخروج ، ثم ذهب الی والده، و کان یجلس في حجرته يقرأ جريدة الصباح ، فقال : أستأذنك يا والدي في الذهاب لزیارةعمتي .. قال والده وهو ینهض من مقعده : خذني معك لاطمئن علی صحتها. . قال شریف في سرور: اطمئن یا والدي، فقد تحسنت صحتها، وذهب عنها المرض . قال والده : أحمد الله . . بارك اللهٔ فیك، فقد داومت علی زیارتها في اثناء مرضها، بینما کنت انا في مأمورية عمل ، خارج المدينة قال شريف ، وهو يستقل السيارة مع والده : لقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، على زيارة المريض . قال والده : اسمع منى إذن هذه القصة الصغيرة .
كان فى مدينة سمرقند امرأة عجوز ، تعيش مع حفيدها الصغير.. وكانت توفر له الحياة الطيبة ، من ماكل ومشرب وملبسي، وكان الحفيد يحب جدّته من أعماق قلبه ، وقد تعلم منها کل شیء طیب ... فتعلم الصبر، فقد كانت سيدة هادئة الطباع، لا تغضب ولا تنفعل ، إذا فعل أحد من جيرانها شيئا يؤذيها . . وكانت تحسن إلى الناس ، ولا تردُ سائلاً یطرق بابها... کما کانت تودي الصلاة في اوقاتها.
وذات يوم مرضت المرأة العجوز ، وكانت بحاجة إلى من يناولها الدّواء والطعام والشراب ، فقام الحفيد بهذا العمل كله خير قيام ، وكلما قدّم شيئا لجدّته ، ابتسم ابتسامة تدل على سرورو بما يفعل ، فكانت الجدة تدعو له بالخير .. فلما توفیت الجدة، و کبر الصغیر واصبح شیخا کبیرا، مرض مرضا أقعده ، فإذا به يجد من يرعاه في مرضه ، فتذكر عندئذ أن الله سبحانه وتعالى ، يجزى الإنسان على العمل الطيب ، ويحسن إلى من أحسن إلى ذوى رحمه .
قال شريف في سرور : لو أن كل إنسان أطاع الله ورسوله، لنال يا والدي خيرى الدّنيا والآخرة . . قال والدة مبتسما : بارك الله فيك يا بنى .. قال شريف : هل تعلم يا والدي، أن حصة الدين بالمدرسة ، من أحب الحصص إلى قلبى؟! وقد كنا نتحدث بالأمس عن أسماء الله الحسنى، وتوقفت عند اسم الله « القدوس » .. قال والده : ولم توقفت عند هذا الاسم ؟ قال شريف : أردت من المُدرّس أن يشرحه ، ولكن الحصة انتهت قبل أن أساله .. قال والده : القدوس هو المتنزه عن كل وصف و من اوصاف النقص ، فالله شبحانه وتعالی، له العظمة والقدرة ، وكل كمال الصفات في ذاته، واللهٔ سبحانه و تعالی، هو العظیم وحده .. فکل عظيم في هذه الدّنيا، يأخذ عظمته من الله سبحانه وتعالى ، فالذي يملك أعطاه الله الملك ، والذي يحكم أعطاه الله الحكم ، والذي يقدر أعطاه الله القدرة ، والذي يتميز يتميز بشيء ، فإن ذلك من الله سبحانه وتعالى .
قال شریف في سرور: استمر في حدیثك یا والدي ، حتی نصل الی بیت عمتي : فهذا کلام جمیل ... . قال والده : اذن فالخیر کله فی ید الله سبحانه و تعالی ، و الملك کله لله، وهو یعطي الملك من یشاء ،وينزع الملك ممن يشاء، ولو كان الملك والجاه والسلطان ، بقدرات البشر ، لاحتفظوا بها ، وما استطاع أحد أن ينزعها منهم ، ولكنها بقدرات الله وحده لذلك نری یا بني عروشا تنهاوی، و مُلوکا تتساقط ، وحكامًا يُطردون ، وأقوياء يهزمون . . كل هذا يحدث في الدنیا، لان الله وحده سبحانه و تعالی ، هو صاحب العظمة والقدرة . . هو القدّوس المنزه عن کل وصف يدركه الحس ، أو يتصوره الخيال ، أو يسبق إليه الوهم .. قال شریف فجاة: انتظر یا ابي، فان حلاوة الحديث جعلتنا نسهو.. فقد تركنا بيت عمتي منذ لحظات . قال والده : حق ، فلنعد إلى الخلف ، وأرجو أن أكون قد وفقت في الحديث عن اسم القدّوس . قال شريف في سرور : نعم ، ولكن سيكون للحديث بقية ، عن اسماء الله الحسنى.
أسرع شريف يطرق باب البيت ، ففتحت العمة ، ورأت شريفا ووالده ، فرحبت بهما في سرور.. فقال الوالد : الحمد الله ، أراك بصحة وعافية ، قالت العمة : شکرالله، اننی احسن حالاً من ذي قبل ، وقد افادني شريف كثيرا بزيارته لي في اثناء مرضي، فقضى لي ما احتاج اليه، لقد احسنت تربيته يا اخي.. قال الوالد: الحمد والشكرللہ ... إِني سعید به فهو دائم القراءة للقرآن الكريم ، ويحافظ على الصلاة . . کما آنه دائما ما یسال في امور الدین ، و کثيرا ما يجعلني أجلس معه لأجيب عن أسئلته . وكان آخر أحاديثنا ونحن بالسيارة . قالت العمة : وفيم كان الحديث : قال الوالد : عن اسم القدّوس .
قالت الخالة : ما أجمل أن يكون الحديث عن الله وأسماء الله، قال الابن: لقد تحدثنا یا خالتي عن اسم القدوس حتی کدنا نبتعد عین مکان البیت، قال الوالد : حقا إنه حديث شائق ، قالت العمة فى سرور : وأنا يسعدني أن أحدثك عن أسماء الله كلما أحببت، قال شريف : حسنا هذه دعوة رائعة تؤجلها إلى الزيارة القادمة يا عمتي .

ليس هنالك تعليقات :
إرسال تعليق